16th April 2019
|
|
التنبيه إلى أخطاء بعض المحققين في العزو لمصادر المؤلفين، تحقيق ضعفاء العقيلي أنموذجًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
فهذه بعض الاستدراكات الهامة حول منهجية التحقيق التي سار عليها محققوا دار التأصيل، والأخ السرساوي في إخراج كتاب ضعفاء الإمام العقيلي، رحمه الله تعالى، ولما كانت هذه الأخطاء أخطاء قد لا يتنبه لها بعض الباحثين، أحببت أن أنبه عليها، حتى لا يقع فيها الآخرون، فنقول وبالله الإعانة والتوفيق:
1- كل قول يورده العقيلي للإمام البخاري من طريق شيخه آدم بن موسى، عن البخاري، فإنهم يعزون هذا القول لكتاب التاريخ الكبير للإمام البخاري، وهذا خطأ منهجي من جهتين:
الأول: أن آدم بن موسى لم يرو عن البخاري كتاب التاريخ الكبير؛ بل روى عنه كتاب الضعفاء الصغير، كما هو ثابت في أول إسناد كتاب الضعفاء الصغير للإمام البخاري، رحمه الله تعالى.
تنبيه: وقد يكون لآدم بن موسى رواية عن البخاري كتابه الضعفاء الكبير، حيث أن العقيلي يورد عنه، عن البخاري أقوالا كثيرة، بل وتراجم، ولا نجدها في الضعفاء الصغير، وسأضرب لذلك مثالًا، يجمع القول فيما نحن بصدده إن شاء الله تعالى.
الثاني: أنهم حين يعزون كلام الإمام البخاري، من رواية آدم بن موسى، للتاريخ الكبير، فإنهم لا يشيرون إطلاقًا إلى الخلافات الواردة بين كلام البخاري في كلا الموضعين من كتابيه التاريخ الكبير، والضعفاء الصغير.
ولو أنهم كتبوا حين العزو للتاريخ الكبير، كلمة: ((بمثله، أو: بنحوه))، لكان خرجوا من هذا المطب المنهجي، ولما كانت هذه المقالة.
والآن أضرب مثالًا جامعًا لكل ما قدمنا ذكره، مبينًا فيه جملة من الفوائد العلمية والمنهجية في كتاب التاريخ الكبير، وهذه الفوائد مما أعتني بها اعتناءً كبيرًا في حال تحقيقي للتاريخ الكبير، نسأل الله تعالى أن يتم نعمته علينا بإخراجه، وأن ينتفع به المسلمون، فنقول، وبالله الإعانة والتوفيق:
جاء في ترجمة محمد بن مسلمة من التاريخ الكبير، رقم: (758): ((محمد بن مسلمة: حدثني إبراهيم، قال: أخبرنا هشام، عن ابن جُرَيْج، حدثنا عباس، عن محمد بن مسلمة، عن أبي سَعِيد، وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في ساعة الجمعة، وهي بعد العصر.
وقال عَبْد الرزاق، عن ابن جُرَيْج: محمد بن مسلمة الأنصاري، ولا يتابع في الجمعة)).
بينما جاء قول الإمام البخاري من رواية العقيلي، عن آدم بن موسى عنه، قال: ((محمد بن مسلمة الأنصاري، عن أبي سعيد، وأبي هريرة، في ساعة الجمعة، لا يتابع عليه)).
ثم قام محققوا التأصيل (3/557)، والسرساوي (5/408)، بالعزو إلى التاريخ الكبير، دون أدنى إشارة للخلاف المنهجي الحادث بين قولي الإمام البخاري في كلا كتابيه.
والآن نبين هذا الخلاف في النقاط التالية، ونذكر معها أيضًا بعض الفوائد الهامة:
1- أن الإمام البخاري لما ترجم لمحمد بن مسلمة في التاريخ الكبير، لم ينسبه ابتداءً للأنصاري، بل قال: ((محمد بن مسلم))، فقط.
ولما أراد أن ينسبه للأنصاري، ذكر إسناد هذه النسبة، فقال: ((وقال عَبْد الرزاق، عن ابن جُرَيْج: محمد بن مسلمة الأنصاري)).
وهذه هي إحدى مناهج الإمام البخاري في كتابه التاريخ الكبير، أنه إذا نُسب أي صاحب ترجمة بنسبة لم تستفيض شهرته بها، أنه يذكر له هذه النسبة بالسند إلى قائل هذه النسبة في حق صاحب الترجمة، كما هو الحال هاهنا.
وأما إذا نظرنا إلى صنيع البخاري في كتابه الضعفاء، فإنه جزم بنسبته لمحمد بن مسلمة، كما هو وارد في كتاب ضعفاء العقيلي، وكما نقلناه عنه آنفًا.
2- أن المحققين لم يشيروا في أي موضع من المواضع إلى أدنى خلاف بين كلام الإمام البخاري الوارد في كلا كتابيه التاريخ الكبير، والضعفاء الصغير.
3- بنسبتهم الدائمة هذه يلبسون على القارئ أن آدم بن موسى له رواية للتاريخ الكبير عن الإمام البخاري، وهذا خطأ، فإن المعروف أن رواة التاريخ الكبير للإمام البخاري خمسة، وهم: ((محمد بن سهل، محمد بن سلميان بن فارس الدلال، عبد الرحمن بن الفضل الفسوي، وابن الأشقر (على خلاف فيه)، وأبو الحسين الغازي))، هذا بخلاف الرواية التي وقعت لأبي حاتم، وأبي زرعة، والتي صنف من خلالها ابن أبي حاتم كتابه الجرح والتعديل، وغيره.
4- أن مرويات العقيلي عن آدم بن موسى عن الإمام البخاري، فيها مواطن اختلاف عما هي في الضعفاء الصغير والذي يرويه آدم بن موسى عن الإمام البخاري، ومنها خلو الصغير من عدة تراجم يذكرها العقيلي في كتابه، ومنها هذه الترجمة التي نحن بصددها، فلم أجد ترجمة محمد بن مسلمة في كتاب الضعفاء الصغير، وهذا إنما يدل على أن آدم بن موسى له روايتان عن الإمام البخاري، أحدها الضعفاء الكبير، وهي التي يعتمدها العقيلي في كتابه، والأخرى الضعفاء الصغير، وهي التي أتت إلينا من رواية آدم بن موسى، عن البخاري، به.
وهذا آخر ما أحببنا ذكره في هذه المقالة، والتي نحث فيها الباحثين، بالاهتمام في مسألة عزو كلام الأئمة إلى مصنفاتهم، ومع دراسة منهج المؤلف الذي نقوم بتحقيق وتخريج كتابه.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.
المصدر...
|