6th March 2019
|
|
حديث الخلفاء الراشدين
حديث الخلفاء الراشدين.
وهو الذي رواه الإمام أحمد([1]), وابن حبان([2]), وأصحاب السنن([3]) وغيرهم, من طرق عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر, ثم وعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون, ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع!! فأوصنا. فقال: «أوصيكم بتقوى الله, والسمع والطاعة, وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتى, وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والمحدثات، فإن كل محدثة بدعة». وقال أبو عاصم مرة: « وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة ».
فهذا الحديث مع كثرة طرقه, وكثرة مخرجيه إلا أن مداره على الصحابي الجليل العرباض بن سارية, فهو الذي تفرد به, ولا يعرف من غير روايته, وليس له متابع من الصحابة, ولا شاهد يشهد لمجموع ألفاظه.
وقد سكت عنه المحدثون الأولون سكوتا مطبقاً, احتجاجاً به, وقبولاً له, بل صرح بعضهم بصحة إسناده ومتنه على السواء, ولم يتعرض كثير منهم لرده, إلا أفراد قلائل ,كأبي الحسن ابن القطان الفاسي, حيث قال: (وذكر - أي عبد الحق في الأحكام الشرعية الكبرى - وعظنا رسول الله موعظة بليغة. وسكت عنه, وفيه مجهولان)([4]). وغمزه ابن رجب الحنبلي([5]).
وحجة الذين ضعفوه إنما هي من جهة متنه, لا من جهة إسناده, وهو وإن كان له طرق كثيرة عن العرباض المتفرد به, إلا أن كل واحدة منها لو استقلت لا تصلح للحجة, فليس له سند واحد صحيح متصل بنفسه, إنما صححه من صححه من أهل العلم بمجموع طرقه كلها, لا من طريق واحدة.
وكان لبعض المتأخرين عليه مآخذ انحصرت فيما يلي:
1- أن الحديث مما تتوافر الدواعي على نقله, لأنه كان عقب صلاة مشهودة وهي صلاة الصبح التي لا يتخلف عنها من الصحابة أحد, ثم لم ينقله إلا العرباض وحده, وسكت عنه سائر الصحابة.
2- أن الحديث يتعلق بأعظم أمر من أمور التشريع وهي خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأمور بناء الدولة وقواعد التعامل مع ولاة الأمر مما له كبير الخطر, وعظيم الشأن, وهو مما لا يسع في مثله السكوت, ولا التغاضي, ثم يسكت كل من سمعه من النبي عليه الصلاة والسلام, ولا يرويه غير العرباض.
3- أنه كان حرياً بالمعنيين الأول بهذا الحديث – وهم الخلفاء الراشدون – أن يكونوا أحرص الناس على روايته, دفعا لما جرى من الخلاف في خلافة بعضهم, وما يحمله هذا الحديث من مكانة عظيمة لكل واحد منهم, ومع ذلك لم ينقل عن واحد من الخلفاء الراشدين ولو بطريق ضعيفة.
4- لم يبين الحديث من هم الخلفاء الراشدون ولا طبيعة طاعتهم, خاصة وقد قرنها بطاعة نفسه واتباع سنته, فجعلها قسيم السنة.
إلى غير ذلك من المشكلات التي أثيرت حول متنه مما لا يجد كثير من المحدثين له دفعاً, إلا الاعتماد على صحة إسناده ليس إلا.
[1] - مسند أحمد بن حنبل (4/126).
[2] - صحيح ابن حبان (1/178/ رقم/5). موارد الظمآن (1/56/ رقم/102).
[3] - سنن الترمذي (5/44/ رقم/2676). وسنن أبي داود (4/200/ رقم/4607). وسنن ابن ماجه (1/17/ رقم/44).
[4] - بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (5/655).
[5] - جامع العلوم والحكم (ص/256).
المصدر...
|