منتدى روضة القرآن - عرض مشاركة واحدة - وقفة وفاء وصدق
الموضوع: وقفة وفاء وصدق
عرض مشاركة واحدة

 
  #1  
قديم 17th March 2015
الصورة الرمزية ام دعاء
غير موجود ألآن ام دعاء غير متواجد حالياً

 
 
افتراضي وقفة وفاء وصدق

( بسم الله الرحمن الرحيم )

تجرع الغلام عمير بن سعد الانصاري كأس اليتم والفاقة منذ نعومة اظفاره


فقد مضى ابوه دون ان يترك له مالا او مُعيلا

لكن امه مالبثت ان تزوجت من ثري من اثريا الأوس يدعى الجلاس بن سويد


وقد لقى عمير من بر الجلاس وحسن رعايته وعطفه ما جعله ينسى انه يتيم


فاحب عمير الجلاس حب الإبن لأبيه كما احب الجلاس عمير كحب الأب لإبنه


وسارت حياة الغلام عمير بن سعد هانية وادعة لا يعكر صفوها معكر


حتى شاء الله ان يعرض الغلام لتجربة من اشد التجارب عنفا واقساها قسوة وأن


يمتحنه امتحانا قلما مر بمثله فتى في سنه


ففي السنة التاسعة للهجرة اعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عزمه على غزو الروم في تبوك وأمر المسلمين بأن يستعدوا ويتجهزوا


وعلى رغم من أن الصيف كان قد دخل والحر قد اشتد والثمار قد اينعت والظلال قد طابت


رغم ذلك فقد لبى المسلمون دعوة نبيهم واخذوا يتجهزوا ويستعدوا غير طائفة من المنافقين اخذوا يثبطوا العزائم ويوهنون الهمم




وكان الغلام عمير يرى كل هذه الاحداث وقد امتلات نفسه بطائفة مشرقة من صور بذل المسلمين وتضحيتهم


وقد راها بعينه وسمعها باذنه وقد تعجب من تباطؤ الجلاس عن الاستعداد للرحيل مع الرسول صلى الله عليه وسلم


ثم ان عمير اراد ان يستثير همة الجلاس ويبعث الحمية في نفسه

فأخذ يقص عليه اخبار ما سمع ورأى من تضحيات المسلمين للخروج مع الرسول وتلبية دعوته لتجهيز الجيش الغازي في سبيل الله

لكن الجلاس ما كاد يسمع من عمير ما سمع حتى انطلقت من فمه كلمة اطارت صواب الفتى المؤمن اذ سمعه يقول :

(إ ن كان محمد صادقا فيما يدعيه من النبوة فنحن شر من الحمير)



لقد ادهش عمير ما سمع فما كان يظن ان رجلا له عقل الجلاس وسنهُ

تخرج من فمه مثل هذه الكلمة التي تخرج صاحبها من الإيمان دفعة واحدة وتدخله في الكفر من اوسع ابوابه


فاخذ عمير يفكر فيما يجب عليه أن يصنعه لقد رأى ان في السكوت عن الجلاس والتستر عليه خيانة لله ورسوله واضرار بالإسلام الذي يكيد له المنافقون ويأتمرون

وان في اذاعة ما سمعه عقوقا بالرجل الذي ينزل من نفسه منزلة الوالد ومجازاة لإحسانه إليه بالإساءة فهو من عوضه عن فقد ابيه


وكان على الغلام أن يختار بين أمرين احلاهما مر وسرعان ما اختار

فالتفت الى الجلاس وقال :

والله يا جلاس ما كان على ظهر الارض أحد بعد محمد بن عبد الله أحب

إلى منك فأنت آثر الناس عندي واجلهم يدا علي ولقد قلت مقالة

أن ذكرتها فضحتك وإن اخفيتها خنت أمانتي وأهلكت نفسي وديني

وقد عزمت على أن امضي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قلت فكن على بينة من أمرك


ومضى الفتى عمير بن سعد إلى المسجد وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بما سمع من الجلاس بن سويد


فااستبقاه الرسول صلوات الله عليه عنده وارسل احد اصحابه

ليدعو له الجلاس وحضر الجلاس وجلس فقال: له النبي عليه الصلاة والسلام

ما مقالة سمعها منك عمير بن سعد وذكر له ما قاله فقال : كذب علي يارسول الله وافترى واخذ الصحابة ينقلون ابصارهم بين الجلاس وفتاه وعمير بن سعد


كأنهم يريدون أت يقرؤون على صفحتي وجهيهما ما يكنه صدريهما والتفت الرسول إلى عمير فرأى وجهه قد احتقن بالدم والدموع تتحدر مدراراً من عينيه

وهو يقول :اللهم انزل على نبيك بيان ما تكلمت به

اللهم انزل على نبيك بيان ما تكلمت به

واندفع الجلاس وقال: أن ما ذكرته لك يارسول الله هو الحق وإن شئت تحالفنا بين يديك وإني أحلف بالله إني ما قلت شيئا مما نقله لك عمير


فما انتهى من حلفه وأخذت عيون الناس تنتقل عنه إلى عمير بن سعد حتى غشيت رسول الله صلوات الله وسلامه عليه السكينة


فعرف الصحابة أنه الوحي فلزموا أماكنهم وسكنت جوارحهم

ولاذوا بالصمت وتعلقت أبصارهم بالنبي عليه الصلاة والسلام


وهنا ظهر الخوف والوجل على الجلاس وبدا التلهف والتشوق على عمير وظل الجميع كذلك حتى سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم


فتلا قوله جل وعز ( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر

وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير) سورة التوبة _74


فارتعد الجلاس من هول ما سمع وكاد ينعقد لسانه من الجزع

ثم التفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بل أتوب يا رسول الله ... بل أتوب


صدق عمير يارسول الله وكنت من الكاذبين

اسأل الله أن يقبل توبتي جعلت فداك يارسول الله


وهنا توجه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الفتى عمير بن سعد فإذا دموع الفرح تبلل وجهه المشرق بنور الإيمان

فمد الرسول يده الشريفة إلى أذنه وأمسكها برفق وقال :وفت أذنك _ياغلام_ ما سمعت ،وصدقك ربك

عاد الجلاس إلى الإسلام وحسن اسلامه

وقد كان يقول : كلما ذكر عمير جزاه الله عني خيراً

فقد أنقذني من الكفر واعتق رقبتي من النار


رضي الله عن عمير بن سعد وأسكنه أعلى الجنان فهذه صورة

مشرقة من حياته العامرة بنور الإيمان وصدق اليقين والوفاء لدينه

ولرسوله والصدق مع الله، رحمهُ الله رحمة واسعة

 
آخر مواضيعي

التوقيع




[img2]http://sewar.panet.co.il/images/2009/02/09/3.gif[/img2]
[img3]http://up30.s-oman.net/5-639.gif[/img3]
رد مع اقتباس مشاركة محذوفة