29th February 2012
|
|
الشهيد عبد الله عزام
[frame="9 80"]
ولد عبد الله عزام في قرية تابعة لبلدة جنين في فلسطين عام 1941.
وهنا تنشأ المفارقة التي طاردته طوال السنوات التسع التي خاض فيها المعركة الأفغانية حتى عام 1989 إذ كيف يكون فلسطينيا ويقوم بكل هذا الجهد من أجل أفغانستان، بينما بلده محتل ويخوض معركة قاسية من أجل التحرير..
ويعيش أحلك سنوات الانتفاضة الأولى تحت نير الاحتلال الإسرائيلي قبل انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، بينما هو مشغول تماما بجمع شتات الفرقاء الأفغان؟
لقد كان هذا لغزا كبيرا.
لكنه لم يكن اللغز الوحيد.
الشيخ عزام لم تكن لديه ميول دراسية دينية واضحة منذ البداية، فبعد أن تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدارس طولكرم حصل على دبلوم زراعي،
قبل أن يعمل مدرسا في مدرسة زراعية قروية بالأردن، لكنه بعد ذلك سافر إلى دمشق وحصل على الليسانس من كلية الشريعة في عام 1966 ثم هاجر إلى الأردن بعد هزيمة 1967. حيث بدأ أولى عمليات الاشتراك في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لفترة وجيزة.
في غضون ذلك أصبح عبد الله عزام مدرسا في جامعة الأردن، ثم سافر إلى مصر، حيث نال الماجستير في «الشريعة» من جامعة الأزهر، ثم عاد إلى الأردن، وما لبث أن كوفئ بمنحة دراسية أخرى إلى الأزهر، حيث نال درجة الدكتوراه في «أصول الفقه».
وحين رجع إلى الأردن لم يقض وقتا طويلا وسرعان ما انتقل إلى السعودية، حيث أصبح أستاذا في جامعة الملك عبد العزيز في جدة.
تقول مجلة «نضال الإسلام»: في عدد تموز ـ ايلول (يوليو ـ سبتمبر) 1996: «لقد آمن الشيخ عبد الله عزام بأن الذين يناضلون من أجل تحرير فلسطين قد ابتعدوا تماما عن الإسلام الحقيقي، وأن الطريق العسكري هو الوحيد المتاح لكي تحقق الأمة الإسلامية النصر بالجهاد والبندقية وحدهما، لا مفاوضات، لا مؤتمرات، لا حوارات».
هكذا اجتذب الوضع الأفغاني الساخن في أعقاب الغزو السوفياتي عبد الله عزام دون مبرر واضح ومقنع فسافر إلى باكستان، حيث أصبح أستاذا في جامعة إسلام آباد لكنه سرعان ما ترك وظيفته وقرر أن يبدأ الجهاد من أجل نصرة الأفغان، وسافر إلى بيشاور حيث وجد في الجهاد «أرضا لشوقه وحبه الجارف للحرب على طريق الله».
بهذا كان عبد الله عزام هو
«العربي الأفغاني الأول»،
الذي ذهب مبكرا جدا إلى هناك، لكنه لم يكن مجرد متطوع رومانسي حالم، أو مؤرخ دارس، وإنما صار همزة الوصل الأولى والأهم بين القضية الأفغانية والعالم العربي.. سواء كان العرب في بلادهم أو في بلاد المهجر في أوروبا والولايات المتحدة، وبدا وكأنه ينفذ مهمة محددة.
الأسباب الستة عشر من المؤكد أن الشيخ الدكتور عبد الله عزام
كان يملك مقومات خاصة تؤهله لهذه المهمة، فكل الذين التقوه كانوا يعبرون عن إعجابهم به ـ وعلى الأقل أغلبهم ـ ويقول عبد الله أنس:
«كانت له ـ رحمه الله ـ طلعة يوسفية، وعزم عمري، وحسام خالدي، كما قال عنه أحد الشعراء في الخليج، فقد كان له بالفعل جمال وجه رزقه الله إياه وعزيمة لا تلين، كما أنه كان حاسما بتبنيه الجهاد وتحريكه الأمة في سبيل ذلك».
وبغض النظر عن هذا الوصف الأسطوري الذي جاء على لسان صهره، وهو وصف مجامل جعل له مواصفات نادرة لم تجتمع في كل من نبي الله يوسف عليه السلام، وخليفة المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفارس المسلمين خالد بن الوليد،
فإن هذا بشكل أو آخر يعطينا فكرة عن صفات «الكاريزما» التي تمتع بها عبد الله عزام كما بدا لأتباعه ومعجبيه.
على أن عزام كان كذلك خطيبا مفوها، من النوع الجذاب الآسر لسامعيه، يمزج كلماته بآيات القرآن وأحاديث الرسول، ولا يتخلى دائما عن الشعر الحماسي ويرصع خطبه بالقصص التاريخية،
ويتعمد تكرار الحديث عن كرامات أسطورية، ويبسط المفاهيم، ويتطوع بالشرح الجغرافي والتاريخي لواقع الجهاد في أفغانستان، بأسلوب قصصي وخطابي لم يتكرر لدى كثيرين غيره،
وقد استغل كل هذا في عملية اجتذاب واسعة ومنظمة للمال والرجال من أجل تشجيع المسلمين على الجهاد في أفغانستان وكأنها قضية الإسلام الوحيدة إن لم تكن الأخيرة.
وقبل أن نغوص في تفاصيل هذه «الحملة العزامية» فإننا نتوقف أمام مذكرة مهمة كتبها الشيخ عزام تلخص إجمالا المعاني التي كان يرددها في سبيل إقناع من يتوجه إليهم للتبرع أو للجهاد في أفغانستان، ونعني بذلك مذكرة «الحق بالقافلة»،
ويقول في مقدمتها تعريفا بها: «هذه رسالة صغيرة كتبتها للذين يتحرقون للجهاد ويطمعون في الشهادة في سبيله».
إن الشيخ الراحل كان يرى أن «مصيبة المسلمين الكبرى هي ترك الجهاد، وحب الدنيا وكراهية الموت»،
ومن هنا فهو يرى أن ذلك أدى إلى «تسلط الطغاة على رقاب المسلمين في كل ناحية وفوق كل أرض، لأن الكفار لا يهابون إلا القتال»،
وفي هذا الإطار يذكر عبد الله عزام 16 سببا لحث خطى المسلمين نحو القتال:
- 1 ـ حتى لا يسود الكفر، «فإذا توقف القتال ساد الكفر وانتشرت الفتنة وهي الشرك». ويؤكد على هذا بالآية رقم 39 من سورة الأنفال: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير».
- 2 ـ لقلة الرجال. «إن أزمة العالم الإسلامي هي أزمة رجال يضطلعون بحمل المسؤولية والقيام بأعباء الأمانة».
- 3 ـ الخوف من النار. «إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير» (التوبة: 39).
- 4 ـ الاستجابة للنداء الرباني. قال تعالى: «انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون» (التوبة: 41).
- 5 ـ اتباع السلف الصالح. «فقد كان الجهاد دينا للسلف الصالح، وكان صلى الله عليه وسلم سيدا للمجاهدين وقائدا للغر الميامين».
- 6 ـ إقامة القاعدة الصلبة لدار الإسلام. «إن إقامة المجتمع المسلم فوق بقعة أرض ضرورية للمسلمين، ضرورة الماء والهواء، وهذه الدار لن تكون إلا بحركة إسلامية منظمة، تلتزم الجهاد واقعا وشعارا وتتخذ القتال لحمة ودثارا».
- 7 ـ حماية المستضعفين في الأرض.
- 8 ـ طمعا بالشهادة والمنازل العلى في الجنة.
- 9 ـ حفظا لعزة الأمة ورفع الذل عنها.
- 10 ـ حفظا لهيبة الأمة ورد كيد أعدائها.
- 11 ـ صلاحا للأرض وحماية لها من الفساد.
- 12 ـ حماية للشعائر الإسلامية.
- 13 ـ في الجهاد حماية الأمة من العذاب ومن المسخ والاستبدال.
- 14 ـ في الجهاد غنى الأمة وزيادة ثرواتها: «وجعل رزقي تحت ظل رمحي» (حديث نبوي).
- 15 ـ الجهاد ذروة سنام الإسلام.
- 16 ـ الجهاد من أفضل العبادات وبه ينال المسلم أرفع الدرجات.
فرض عين إن مثل هذه المعاني هي نفسها التي وردت في كتاب محمد عبد السلام فرج «الفريضة الغائبة» والذي ألفه تأصيلا لمعنى الجهاد في عقيدة تنظيم الجهاد المصري الذي اغتال في عام 1981 الرئيس السادات. لكن الشيخ عبد الله عزام صاغ رؤيته بأسلوبه الخاص في سبيل تحقيق هدفه وهو أن «يلحق من يقرأه ويسمعه بالقافلة». ففي الجزء الثاني من رسالته تلك يوجه عبد الله عزام المسلمين إلى المكان الذي يرى أنه الأوجب بأداء فريضة الجهاد.
قال عزام تحت عنوان «وا إسلاماه»: «لا تخفى عليكم التضحيات الباهظة التي فرضت على الشعب الأفغاني المسلم، فهم يتحملون أقصى ما يمكن أن يتحمله بشر لحماية دينهم وأعراضهم وأطفالهم ولم يبق بيت في أفغانستان إلا وتحول إلى مأتم ويُتِّم من فيه».
«ولم يبق في القوس منزع، وكادت سهام الكنانة تنفد، والأفغان يأملون من إخوانهم المسلمين أن تفد جموعهم وأن تتحرك اخوَّة الإسلام في أعماقهم، ولكن لم يلب المسلمون نداءهم حتى الآن، وكأن في آذانهم صمتا دون أنات الثكالي، وصيحات العذارى وآهات الأيتام وزفرات الشيوخ».
ويضيف مؤكدا على وجوبية الجهاد في أفغانستان: «على قدر اطلاعنا القليل وعلمنا اليسير نعتقد أن الجهاد وفي مثل هذه الحالة الراهنة في أفغانستان فرض عين بالنفس والمال، كما قرره فقه
وإلى لقاء أخر مع شهيد أخر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته [/frame]
|