[frame="7 80"] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استشهاد مؤمن
مسرحية قصيرة بقلم محمد علي ضناوي
تعريف:
«بعد معركة أحد وفد رهط من قبائل العرب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون له: إن فينا إسلاماً، فابعث معنا نفراً من أصحابك يعلموننا شرائعه ويقرئوننا القرآن. فأرسلَ عليه الصلاة والسلام ستة ممن صحابته الكرام.
وفي الصحراء غدر بهم فقتل أربعة منهم... وأسر الآخران: زيد بن الدثنة وخُبيْب بن عدي، وسيقا إلى مكة. وبعد أيام قتل زيد رضي الله عنه وبقي خبيب حبيساً مأسوراً حتى نال الشهادة على يد مجرمي قريش. وهذه التمثيلية تصوير مقتضب لحادثة استشهاده رضي الله عنه وجعل مكانه في عليين».
الأشخاض:
عكرمة بن أبي جهل، من زعماء قريش.
أبو سفيان بن حرب: من زعماء قريش.
أمية بن أبي عتبة: قرشي جاهلي.
خبيب بن عدي: صحابي رسول الله، من الأنصار.
عقبة بن الحارث: قتل أبوه في إحدى المعارك، وعقبة هذا شاب صغير، وقد اشترى خبيباً ليقتله بأبيه.
معاوية بن أبي سفيان: فتى من فتيان قريش.
المكان: التنعيم، مكان يبعد عن مكة مقدار فرسخين.
الزمان: صبيحة يوم من أيام العام الثالث للهجرة (625م)
«يرفع الستار عن ساحة التنعيم.. يظهر فيها عدد من النخيل، وفي وسطها عمود طويل هيء خصيصاً لصلب خبيب.
جلس بعد عن العمود جمع غفير من رجال ونساء مكة. أما عكرمة فقد جلس إلى نخبة من كبار قريش منهم:
أبو سفيان وأمية بن أبي عتبة».
أبو سفيان: إن لهذا اليوم شأناً كبيراً!
عكرمة: (ضاحكاً) إنه يوم أغر مشهود.
أمية: فيه نسجل ثالث انتصاراتنا بعد أحد.
أبو سفيان: هذيل تقتل أربعة...
عكرمة: ونحن قد قتلنا زيداً، أما خبيب فموعده اليوم...
(يضحك الجميع متفاخرين)
أمية: (صارخاً) يا جارية.. هاتِ الكأس والخمر.. فيومنا عز وفخر...
عكرمة: لا بد أن يعودعزنا المسلموب ومكانتا المرموقة. نحن قادة قريش... سادة العرب.
أمية: (متأسفاً) بئس العمل الذي عملناه في سالف في سالف الأيام.. لقد اشتد ساعد محمد في البلاد وقويت شوكته...
أبو سفيان: لا تقل هذا! فقد أصاب محمداً الضعف والهوان بعد يوم أحد العظيم...
عكرمة: (متفاخراً) بفضل عكرمة وأبي سفيان وأمية والأجناد...
أمية: (مشيراً إلى ساعده) بخ.. بخ.. فسواعدنا تهدم ما بنى محمد...
أبو سفيان: (يهمهم) والآن... أسمعتم شعر حسان بن ثابت في رثاء أصحابه الذين قتلوا وأسروا؟
عكرمة: (ساخراً) أرَثوهم؟ يا لهم من قوم ضعاف! لا يملكون إلا الكلام يرسلونه أوزاناً...
أمية: لا ننكر يا عكرمة ما لشعر حسان من فصاحة وبيان. (لأبي سفيان) هاتِ.. أسمعنا ما قال ابن ثابت.
أبو سفيان: (منشداً):
رأس السرية (مرثد) وأميرهم *** و(ابن البكير) إمامهم و(خبيبُ)
و(ابن لطارق) و(ابن تثنة) منهم *** وافاه ثم حمامه المكتوبُ
و(العاصم) المقتول عند رجيعهم *** كسب ا لمعالي إنه لكسوبُ
أمية: (يقهقه) كسب المعالي إن لكسوب... قبلنا هذا الشرط ورب الكعبة...
عكرمة: (ساخراً) هم ينالون المجد والمعالي في الوهم والخيال، ونحن نمعن فيهم تقتيلاً وسفكاً..
أبو سفيان: شيء رائع! ستة أشخاص يرثونهم بثلاثة أبيات!
عكرمة: الثمن بخس جداً.. لكل اثنين منهم بيت واحد... (يضحك الجميع).
أمية: (صارخاً) يا جارية الكأس والخمر.. يا جارية.. الخمر.. الخمر..
الجارية: (مسرعة) لبيك مولاي.. هذا الكأس الرقاق والخمر العتيق.. فلتشربوا يا مولاي.. إن مكة اليوم في عيد.
عكرمة: (للجارية) عهدي لك لئن قتل محمد لأبنين بك غداة مصرعه...
أبو سفيان: ما هذه الجلبة والضوضاء؟
أمية: لعل القوم قد قدموا!
عكرمة: ...هم... هم... هيا بنا نستقبل خبيباً بكلمات السب له، والتسفيه لدينه، فإن لذلك عندنا لذة لا تعدلها إلا لذة الخمر والنساء...
(يصل الركب إلى باحة التنعيم، يتقدم عقبة بن الحارث نحو عكرمة وأبي سفيان وأمية وهو يصرخ).
عقبة: ياقوم! هذا خبيب... سأقتله اليوم بأبي: الحارث بن عامر... هيا.. إلى الجذع الطويل يا قوم إلى الجذع الطويل.. لتشهدوا مصرع خبيب وثأر أبي...
أبو سفيان: على رسلك يا عقبة.. تعال قليلاً نسألك...
عقبة: سل ما بدا لك يا أبا سفيان، فإن عقبة اليوم يغمره الفرح والحبور.
عكرمة: أستحلفك باللات والعزى... هل أصاب خبيباً قلق أو اعتراه خوف بعد أن تأكد من تصميمنا على إزهاق روحه؟
أمية: حقاً.. قل.. قل..
عقبة: أما الجبن... فوالله ليس له إلى نفسه من سبيل.. ولم تفارق الابتسامة ثغره، ولسانه لا يزال لهجاً بذكر وقراءة أظنها تسبيحاً وقراءة قرآن! (يقلب أبو سفيان شفتيه بتعجب شديد).
أبو سفيان: ظننا أنه... جبان... عجباً لهؤلاء.. عجباً... (يأتي معاوية ويقف بجوار أبيه).
معاوية: أين خبيب يا أبتاه؟
عكرمة: وهل لك به حاجة؟
معاوية: أود رؤيته.. رؤية هذا الشجاع الذي شاعت شجاعته الكاذبة بين الناس!
أمية: ماذا أشيع؟
معاوية: خبيب لا يهاب الموت! هكذا يقولون...
أبو سفيان: مه... مه... بعد قليل تراه مشدوداً إلى الجذع...
أمية: (يهمهم) وماذا يقول يا عقبة؟
عقبة: عندما اقتربنا من هنا ورأى ما أعِدّ له رفع رأسه إلى السماء وراح ينشد بعز وفخار:
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا *** قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وكلهم مبدي العداوة جاهد *** علي لأني في وثاق
وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم *** وقربت من جذع طويل ممنّع
إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي *** وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
فلستُ بمبدٍ للعدو تخشعاً *** ولا جزعاً، إني إلى الله مرجعي
معاوية: بخ... بخ... إنه لقول كريم...
عكرمة: ويحك هو قول شيطان مريد. انطلق يا عقبة فأتِ بالركب إلى الجذع، إن سائرون إليه.
(يتجه عقبة إلى الركب، في حين يسير رهط رجال قريش إلى العمود... ومن ثم تتوافد الجموع وتحتل أمكنتها عند الجذع).
أمية: (غاضباً) يا أبا ميسرة، أحضر خبيباً.. فلقد قربت ساعة الاقتصاص من هذا الذي يذكر آلهتنا بسوء.
(يتقدم خبيب مكتوف اليدين رابط الجأش والابتسامة بادية على محياه).
أبو سفيان: أما زلت تضحك..؟
خبيب: ولمَ لا.. وفرحة المؤمن عند لقاء ربه.. (رافعاً رأسه)
«من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً».
معاوية: (متعجباً) يا أبتاه!
غريب هذا النوع من الرجال، إني ما رأيت بشراً يحب الموت كحب أصحاب محمد..!
أبو سفيان مه.. مه! يا بني ما زلت صغيراً يتقدم من عكرمة ويهمس في أذنه) والله إن تركنا خبيباً يتحدث ليفتنن أهل مكة. ألا تراهم؟
عكرمة: تعجلْ في قتله (ملتفتاً) يا أبا ميسرة! يا أبا ميسرة!
أبو ميسرة: لبيك.. لبيك..
عقبة: ماذا أتنفذون الحكم؟
أرى ثأر أبي..
أبو سفيان: أبا ميسرة! اصلبْ خبيباً في هذا الجذع.
خبيب: (يتقدم منهم) لي حاجة أريد قضاءها.
أمية: لك ما تريد.
خبيب: حلّوا الوثاق لأركع ركعتين.
عكرمة: لك ما طلبتَ. يا أبا ميسرة...
(يتجه أبو ميسرة ويحل الوثاق.. يقف خبيب ويؤدي الصلاة).
عقبة: (ناظراً إلى خبيب) جسد يصبح بعد قليل لا حراك فيه.
عكرمة: هذا مصير من سفّه اللات والعزى.
أمية: (ساخطاً) ومناة الثالثة الأخرى.. بسواعدنا نحميك آلهتنا!
عكرمة: عقبة! نادِ الجارية فإنما لي في الخمر حاجات.
عقبة: (ضارخاً) يا جارية.. الخمر.. الخمر.. فقد دنا موعد الثأر (تسرع الجارية وتصب الخمر في الكؤوس).
عكرمة: اشربوا نخب عقبة.. (يقهقه الجميع.. يتقدم خبيب).
خبيب: نفذوا بي ما تريدون! أما والله لولا تظنون أني إنما طوّلت جزعاً من القتل لاستكثرتُ من الصلاة.. فإنها قرة عيني وسبيلي إلى الله.
عقبة: هل لك حاجة فتقضيها أيضاً؟
أمية: (محتداً) لا حاجة له.. يا أبا ميسرة.. اصلبه وشد الوثاق.
خبيب: (يتقدم من الجذع، ويوثقه أبو ميسرة، في حين راح هو ينشد):
وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع
وقد خيروني الكفر والموت دونه *** وقد هملت عيناي من غير مجزع
فوالله ما أرجو إذا متُ مسلماً *** على أي جنب كان في الله مصرعي
عكرمة: (غاضباً) أبا ميسرة.. عاجلْه الطعنة.. أستحلفك باللات والعزى.. عاجله الطعنة! يا له من كذاب أشر
(يسرع أبو ميسرة ويحمل الحربة ثم يتقدم من خبيب ويضربه في بطنه... يضحك الجميع).
خبيب: (رافعاً رأسه والحربة ما زالت في بطنه) اللهم.. إنا.. قد بلغنا.. رسالة.. رسولك..
(ينزع أبو ميسرة الحربة من بطن خبيب ليضربه مجدداً، فتنطلق من خبيب صرخة ألم ، ثم يتابع كلامه) فبلغه.. الغداة.. ما يصنع.. بنا
(ينزع أبو ميسرة الحربة ليضربه بها أيضاً فيتضاعف الألم. أما رجال قريش فلا زالوا يشربون الخمر ويضحكون).
خبيب: (اللهم.. أحصهم.. عدداً.. واقتلهم.. بدداً يصيب أهل مكة الخوف من هذا الدعاء.. يضطجع الجميع على جنوبهم.. في الوقت الذي تتدفق فيه الدماء بغزارة من جراحات خبيب. يرفع أبو ميسرة جسده قليلاً عن الأرض ويسدد حربته إلى فم خبيب).
خبيب: و... لا.. تغادرْ..
(تدخل الحربة في فم خبيب... تتدفق الدماء... يلفظ خبيب الكلمة الأخيرة بصعوبة كبيرة) منـ... ـهم.. أ... حـ... د... اً...
[/frame]