ولد أبو داود سنة 202هـ
في ظل الخليفة العباسي العالم
المأمون،
وإن استعراض أسماء الخلفاء الذين جاؤا إلى سدة الخلافة
خلال حياة أبي داود ليشعرنا بفخامة العصر الذي كان
فيه.
فبعد المأمون (ت218هـ) جاء للخلافة المعتصم (ت227هـ)
ثم الواثق (ت232هـ) ثم المتوكل (ت247هـ) ثم المنتصر (ت248هـ) ثم المستعين (ت252هـ)
ثم المعتز (ت255هـ) ثم المهتدي (ت256هـ) ثم المعتمد على الله (ت
279هـ).
وهذا الأخير حَجَر عليه أخوه الموفق واستبدّ بالأمر
دونه، ولم يصبح خليفة، وللموفق مع أبي داود أخبار سنذكر طرفاً منها فيما
بعد.
ومن المعروف أن اضطراب شؤون الدولة العباسية قد بدأ
بمقتل المتوكل سنة 247هـ، فلقد أراد أن يكفكف من غلواء العسكريين الاتراك الذين بدأ
تسلطهم أيام المعتصم فلم يفلح.
وإن عصراً هذا وزنه لا نستطيع أن نلم بجميع الجوانب
فيه
ويكفينا أن نذكر بشأنه الأمور المقررة الآتية:
1- التناحر بين أفراد الأسرة الحاكمة كان على أشده.
2- سيطرة العناصر الأعجمية عموماً والتركية خصوصاً كان أمراً واضحاً.
3- الثورات في أطراف الدولة الاسلامية.
4- الثورة في قلب الدولة وفي العراق بصورة خاصة.
5- الصراع النصراني - الاسلامي في الحدود الشمالية
الغربية.
6- تسلط رجال الفرق الضالة على بعض الخلفاء وممارسة لون من الاستبداد الفكري ومقاومة العلماء وسجنهم.
7- قيام نزعات فكرية متعددة، وبعضها هدام خطير.
اسمه . نسبه . نسبته
هو أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن
شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني.
وعمران هذا ذكر ابن عساكر وابن حجر أنه قتل مع علي بن
أبي طالب بصفين . وأبو داود عربي صميم من الأزد ، والأزد قبيلة معروفة في اليمن .
والسجستاني نسبة إلى بلد سجستان،
وقد ذكرت الكتب التي ترجمت له أنه بلد يتاخم أطراف مكران والسند،
وقد وهم من زعم أنّ سجستان قرية من قرى البصرة .
وذكر الأستاذ محبّ الدين الخطيب رحمه الله في مقدمته
لكتاب ((موارد الظمآن)) أن سجستان هي بلاد الأفغان الآن وهي في الحقيقة القسم
الجنوبي من بلاد الأفغان.
ويقال له السجستاني والسجزي
نشأته
ولد أبو داود سنة 202هـ كما ذكرنا وتلقى العلم على علماء بلده،
ثم ارتحل وطوّف بالبلاد في طلب العلم وتحصيل
الرواية،
فزار العراق والجزيرة
والشام ومصر وكتب عن علماء هذه البلاد جميعاً.
قال الخطيب:
"وكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والمصريين والجزريين" .
وليس من شك في أنّ هذه الرحلات قد وسعت من افقه
وأطلعته على ألوان الثقافة في عصره في كل أنحاء العالم الإسلامي.
والبلاد التي سكنها كثيرة نذكر منها ما وصل إليه علمنا وهي:
سجستان التي كانت بلده والتي نسب إليها، وخراسان، والري ،
وهراة ، والكوفة التي دخلها سنة 221هـ كما ذكر الخطيب ، وبغداد
التي قدم إليها مرات، وآخر مرة زارها كانت سنة 271هـ، وطرسوس التي أقام بها عشرين سنة ،
ودمشق التي سمع الحديث فيها كما يذكر ابن عساكر ، ومصر أيضاً،
والبصرة التي انتقل إليها بطلب من الأمير أبي أحمد
الموفق الذي جاء إلى منزله في بغداد واستأذن عليه ورجاه أن يتخذ البصرة وطناً ليرحل
إليها طلبة العلم من أقطار الأرض فتعمر بسببه فإنه قد خربت وهُجرت وانقطع الناس
عنها لما جرى عليها من فتنة الزنج .
وهذا الخبر يدل على أن شهرة أبي داود قد طبقت الآفاق،
فالناس يعرفون له قدره وفضله وشهرته،
وأحسّت الدولة بذلك فطلبت إليه أن يرحل إلى البصرة
البلدة المنكوبة لتعود إليها الحياة ولتعمر من
جديد. وفي هذا دلالة على
طبيعة حضارتنا ومنزلة العلم والعلماء فيها، فإن سكنى مثل أبي داود فيها كان العلاج لردِّ العمران إلى بلد مخرّب
مهجور.
وهكذا فقد وفق الله أبا داود أن يكون شخصية علمية مرموقة في عصره كان لها أكبر الأثر على الناس في
عصره والعصور التي تلت.
علمه
كان أبا داود أحد حفاظ الإسلام، وكان من أوسع العلماء معرفة بحديث رسول الله , وفقهه الله ومتونه ورجاله.
ويبدو أن علماء عصره كانوا يعرفون مكانته العلمية
الكبرى ويقدرونه حق قدره؛ يدل على ذلك عدد من
الأخبار:
منها ما ذكروا من أنّ أحمد بن حنبل روى عنه
حديثاً، وكان
أبو داود شديد الاعتزاز به
ومنها ما ذكروا من أن سهل بن عبدالله التستري جاء إلى
أبي داود.
فقيل: يا أبا داود هذا سهل جاءك زائراً، فرحّب به
وأجلّه.
فقال له سهل: يا أبا داود لي إليك حاج
قال: وما هي؟
قال: حتى تقول قد قضيتها مع الإمكان.
قال: قد قضيتها مع الإمكان.
قال: أخرج إلي لسانك الذي حدثت به أحاديث رسول الله
,
حتى أقبله،
فأخرج إليه لسانه فقبله .
والمصدر فى هذا القول هو :
كتاب وفيات الاعيان: 2 / 404 - 405.
وكان علمه متعدد الجوانب، فهو مع تخصصه في الحديث - فقيه عظيم،
وقد عدّه الشيخ أبو الحسن الشيرازي في طبقات الفقهاء من جملة أصحاب أحمد بن
حنبل،
وكذا أبو يعلى في ((طبقات الحنابلة)) والعليمي في ((المنهج الأحمد)) .
وأبو داود ناقد كبير،
وليس هذا غريباً على إمام من أئمة
الحديث،
لأن هذا العلم يربي في أتباعه حاسة النقد، وقد
استطاع أن يبلغ مستوى راقياً من رهافة الحسّ ودقة النقد،
ومما يدل على مكانته العلمية ثناء العلماء عليه
وسنذكر
[/frame]