باختصار :
الْقَوْمُ أُتُوا مِنْ ظَنِّهم أنه كما تشترط النية والاعتقاد في المأمورات الواجبات والمستحبات لتكون عبادات لله ، فإنها كذلك تشترط في المنهيات لتكون معاصٍ !
بمعنى : أن الشرع اشترط لفعل الصلاة والزكاة والحج ، وسائر الأفعال المطلوبة لتكون عبادة = (1) : اعتقاد أنها عبادة لله ، وقصد وجهَ الله ،(2): أعمال الجوارح ، فالصلاة هي مجموع الأمرين العقد وعمل الجواراح بما في ذلك اللسان ، وقل ذلك في سائر العبادات التي هي من قبيل الفعل لا الترك .
ولم يشترط لفعل الزنى والسرقة - مثلا - اعتقاد طاعة الشيطان ، بل كل من زنى أو سرق فقد عصى بالفعل وأطاع الشيطان فعلا وإن لم يخطر بباله طاعة الشيطان ، ولا نقول له : هذا الفعل منك لا يكون زنى ، وبالتالي لا يكون "طاعة" للشيطان إلا إذا عقدت النية على ذلك ، فالزاني زان ، وهو مطيع للشيطان حتما ، وإن اعتقد في نفسه أنه لا يطيع الشيطان .
ومن هنا قال المخالفون : عبادة "غير الله" لا تكون عبادة لغير الله إلا باعتقاد صرفها لغير الله ، كما أن عبادة الله لا تكون عبادة لله إلا باعتقاد صرفها لله !!!
فلم يُفرقوا بين ما سبيله الواجبات و ما سبيله المنهيات .
فالواجبات يُطلَبُ إتيانها مع النية والاعتقاد في الله لتكون عبادة ، فلا تكونُ عبادةً إلا بمجموع الأمرين .
وأما ما سبيله النهي وكان من المعاصي ، فهو معصيةٌ في نفسه ، ولا يُشترط لذلك أن يعتقد العاصي أنه يطيعُ الشيطان .
فالزاني زانٍ سواءٌ اعتقد أنه مطيع للشيطان أو لم يعتقد ، وكذلك السارق ، وكذلك الكاذب وكذلك النمام ، فهذه كلها معاص في نفسها ، وهي طاعة للشيطان ، وإن لم يفكر العاصي في طاعة الشيطان وينوها .
فما كان مطلوب الفعل فهو عبادةٌ بمجموع الأمرين : (1) العقد و (2) الفعل .
وما كان مطلوب الترك فمجرد فعله معصية استقلالا ، إن كان في الشرع صغيرة فهو صغيرة ، وإن كان كبيرة فهو كبيرة ، وإن كان شركا أو كفرا فهو شرك أو كفر ، ولم يشترط الشرع أن يكون قد خطر ببال العاصي أنه يطيع الشيطان .
غير أن القوم احتالوا على لفظ " الشرك " الذي هو مطلوب الترك " = المحرمات " ، وهو ما لا يشترطُ له عقدٌ أو نيةٌ من جهة طاعة الشيطان ، فأقحموه فيما هو مطلوب الفعل "=الواجبات" ، بتغيير اسمه إلى " عبادة غير الله " ، وبهذا التحايل ، نقلوه من "مطلوب الترك" إلى " مطلوب الفعل " فَتَحوَّلَ الكلامُ من المنهي عنه إلى المأمور به !!! ثم صاروا يشترطون له ما اشترطه الشرع للعبادة المشروعة = أي : العقد والنية !
بمعنى : أن الله جعل عبادته مجموع أمرين = الاعتقاد والفعل ، فقاسوا المنهي عنه على المأمور به ، وقالوا : عبادة الشيطان (= سواء بالكفر أو ما دونه) لا تكون عبادة إلا بمجموع الأمرين أيضا ، العقدُ وعمل الجوارح !!
ولو التزموا قانونهم لقالوا : فعلُ الزنى والسرقة لا يكونُ معصيةً إلا باعتقاد أنك تطيع الشيطان !! فإذا لم تكن تعتقد طاعة الشيطان فليس بزنى ولا سرقة !!
وبهذا السبب ضل من ضل في اشتراط الاعتقاد في الشرك الأكبر كالسجود للأصنام والاستغاثة بالقبور والأوثان والاستعاذة بالجن ونحو ذلك، إذ تشابه الأمر عليهم الأمر لما سوَّوا بين ما هو عبادة لله وما هو عبادة للشيطان بسبب أن كلا الفعلين "عبادة" ، فظنوهما واحدا ، ولم يميزوا بين ما سبيله الواجبات فيكون عبادة لله باجتماع العقد والعمل ، وما سبيله المحرمات فلم يشترط فيه الشرع أن يكون العاصي معتقدا أنه يطيع الشيطان ، والله أعلم ، والحمدُ لله رب العالمين .
منقول.